Monday, 20 July 2009

اللي بتعرفو أحسن من اللي ما بتعرفو

المثل : اللي بتعرفو أحسن من اللي ما بتعرفو

الهدف: الالتصاق بدائرة المعلوم والخوف الدائم من الغير متوقع


يظهر هذا المثل غالبا في الحالات التي يكون الاختيار فيها ضروري، وفي معظم المرات يكون أحد الخيارات أمر قد جرب سابقا بغض النظر عن كونه
اثبت جدارته أو لم يثبتها

بؤكد المثل المخاوف الانسانية التي تردع الانسان عن اكتشاف المجهول وتشجع على الالتصاق بالموجود والمجرب حتى وان كان هذا الموجود بائسا، مرا وغير كافي
فمثلا، في حالة الانتخابات، يصر الجميع على التصويت لذلك الشخص الذي شغل المنصب سابقا خوفا من امكانية كون المرشح الآخر غير ملما أو سيئا او ما الى ذلك من أوصاف تجعله غير مناسب للمنصب، متناسين تماما الامكانية الأخرى في كونه جديا وكفؤا
كذلك الأمر بالنسبة للمخاطرات الحياتية واتخاذ القرارات، فتجد شخصا قد رفض الالتحاق بعمل معين وفضل البقاء في عمله، رغم ان الوظيفة الجديدة قد توفر له آفاق جديدة لم يحلم بها، الا أنها تحتاج لقليل من غير المألوف

المنطلقات التي يخرج منها مؤيدو المثل، هي أن الذي اعتدته لن يفاجئك بالسيئ كما لن يفاجئك بالحسن، وبذلك يختصر الحاجة في تكييف نفسك للتعامل مع أوضاع جديدة وتحديات أنت بغنى عنها، فلماذا لا تمشي الحيط الحيط وتقول يا ربي السترة؟ لماذا عليك المراهنة على كل ما تملكه (ماديا أو شعوريا) والقفز الى شرخ المجهول؟
ينسى هؤلاء أن الأمور الجيدة تحتاج الى مخاطرة (الكلمة مخاطرة قد تبدو قاسية للوهلة الأولى، الا أن المخاطرة قد تكون بسيطة لدرجة تغيير لون القميص وعدم سماع اطراء على تناسق اللون مع البشرة) وينسون أن خوفهم من التحدي سيسبب الروتين والملل على صعيد ذاتي، وقلة الانتاج والابداع على صعيد مجتمعي وأممي
المشكلة ليست في أن ننظر الى القديم أو الموجود ونختاره اذا كان ملائما، ولكن المشكلة أن نختاره خوفا وضعف ارادة
لست أجرم المخاوف الانسانية ولا أسلبها الشرعية، فكل العناصر في الطبيعة بما في ذلك الانسان تحتاج للاستقرار، والمخاطرة ليست مطلوبة بكل ثمن، بل أنها احيانا حماقة مضرة ومدمرة
الا أن الله فضل الانسان عن غيره بوهبه اياه عقلا يستطيع ان يفرق فيه بين الخير والشر، ويستطيع كذلك موازنة الأمور وكشف الحسنات والسيئات واتخاذ القرار المدروس بدون أي تعميم مطلق كما يهدف هذا المثل الذي لا يرمي الا الى تحجيم العقل الانساني
اليس من واجب الشخص اختيار الخير اينما كان، حتى اذا كان الأمر يحتاج الخروج من قوقعة المعتاد؟
لماذا لا نأخذ تلك المخاطرة المدروسة على أنها شوكة أخرى في الطريق الى الصلاح الذي نبغيه؟

ما أعرفه ان هنالك دلائل وتجارب من الحياة كافية لنقض تعميم هذا المثل وجعله حصرا على حالات معدودة ومحددة، فما كان علماء الفيزياء والفلك والرياضيات والطب سيطورون الموجود لو التزموا النظريات الحاضرة في زمانهم

اعتقد اننا أذكى من أن نصدق تلك الشمولية اوالامبريالية المطوية في طيات ذلك المثل الانهزامي، وعلينا بدافع الذكاء الاساسي والكرامة الشخصية أن لا نسمح لشخص أو لفئة بتحجيم نلك القدرة التي منحتنا اياها الذات الالهية في التفريق والتمييز
قال تعالى: "
ألم نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ(9)وَهَدَيْنَاهُ النجْدَيْنِ(10) سورة البلد
هل ما زلنا نرضى أن نكون بتلك اللامبالاة التي تسمح لنا باختار المعروف (ان سمينا ذلك اختيارا أصلا) لسهولة التعامل معه؟لا أظن ذلك
عسى أن يوفقنا الله لما فيه خير لهذه الأمة
والسلام