Monday, 31 May 2010

"اللهم نفسي" ولا "ابعد عن الشر وغنيلو" ؟

قام مجموعة من جنود الاحتلال الصهيوني صباح اليوم بمهاجمة "اسطول الحرية" المتوجه الى غزة لتقديم المساعدات الانسانية, واسفر الهجوم عن 19 شهيد و 50 مصابا.


من البديهي أن امرا كهذا كفيل باثارة مشاعر وحفيظة الجماهير الفلسطينية, العربية والاسلامية في كل مكان.. الا انه على ما يبدو لم يكن كذلك.

فقد دعت الاحزاب العربية في جميع الجامعات عامة وفي جامعة حيفا خاصة للاشتراك في مظاهرات للتنديد بالجريمة الصهيونية الوقحة والتي تضرب بكل كتل السلام وبجميع قرارات مجلس الأمن وسواه, ناهيك عن ابسط الحقوق الانسانية بالحياة, عرض الحائط, أو لنقل عرض الجدار العازل الذي لربما كان هذا أحد أهداف اقامته!

معظم جماهير الطلاب العربية في جامعة حيفا اشتركت بالمظاهرة التي كانت على ابواب المبنى الرئيسي في الجامعة... اشتركت من وراء الحجاب الزجاجي الحاجز الموجود في طابق ال 700 المطل على مكان المظاهرة!

للوهلة الأولى تنتابك موجتان من الغضب,. الأولى تصارع الأخرى.... فاحداهما أغاظتها حيادية ...او بلادة مشاعر المتفرجين العرب والثانية فجرتها سياسة المضطهِدِ الصفيقة بوضوح!

ومما "زيد الطين بلة" تلك التعليقات المجوفة التي تلقيها الحلقات التي تقف في كل زاوية تراقب سير الأحداث... مثل: "خليهن ييجو يحبسوهن عشان نشوف شو فادتهن المظاهرات!" , أو "خبصو خبصو كأنو الحكي بغير اشي" والخ الخ من العبارات المحضرة مسبقا والتي ينتشلها كل منهم من جعبة قد ملأها قبل ذلك بمهدئات للضمير والعقل.

ومن الأمور الغريبة حقا والتي تثير الضحك من باب "شر البلية ما يضحك" هو ردود البعض على دعوة حضور المظاهرة الثانية والتي كانت في شارع الجبل في حيفا.... المعظم كان مشغولا "لأسف"... ولا يستطيع الحضور... وما يثير الدهشة حقا هو هذا الخيار الذي منحوه لأنفسهم ... باختيار عدم المجيء لضيق الوقت... وكأن الأمر موازٍ ومقابل لدعوة أحدهم للآخر للقيام باحدى حملات الاستهلاك في المجمعات التجارية... والتي يمكن رفضها أو تأجيلها.... مع أن الأولى هو أن يتعاملوا مع الموضوع كواجب وطني له حق الأولوية ولا يحتمل التأجيل أو الرفض.



لم أخلُص بعد الى من يستحق أن يشار اليه بأصابع الاتهام لمثل هذا التقاعس....

فمن لم يأتِ ولم يشترك في هذه المظاهرات نوعان...

أولهم اولئك الذين اراحوا ضمائرهم تماما من عبء التفكير والالتزام. فهم يتعاملون مع الواقع الموجود لا مع المنشود... وما يعنيهم هو اللحظة الآنية (والآنية لا تشير بالضرورة لآنية الزمن... بل ايضا تتصل بآنية الرغبات والأهداف, فالأهداف التي تتمحور حول الذات بدون اعطاء أي قيمة لحق المجتمع فيها هي آنية بوقتها وبالاستفادة منها ولا تملك القدرة على أن تكون مستمرة العطاء والبذل). أي انهم يتعاملون مع الاحتلال كأمر واقع لا يمكن تغييره ولا حاجة حسب رأيهم لذلك...

والتزامهم الوحيد هو التزام لذواتهم أو لحلقة عائلية أو اجتماعية صغيرة ولا يمكن أن يكون لما هو أكبر من ذلك، فالالتزام هو مسؤولية ومساءلة هم بغنى عنها.

ومعظم هذه المجموعة قد لا تعي حجم الضرر الذي سببه المحتل أو مدى البشاعة التي يتصف بها, وقد تعي وتنكر وتقوم بغسل ذاتي للدماغ لأن ذلك مناسب أكثر للفئة المجتمعية التي تجاورها .



اما المجموعة الثانية فهي مجموعة "ابعد عن الشر وغنيلو" والتي هي واعية اساسا لما يدور ويحدث الا أنها تعتقد دوما بضعفها ازاء القوة الصهيونية الكبرى والتي تؤمن أيضا باستحالة التغيير. هي تظن ان أي مشاركة في نشاط مناوئ لسياسة الاحتلال سيزج بها في السجن أو سيمنعها من مزاولة مهنتها أو التقدم والنجاح في مستقبلها العلمي والعملي.

والحق, ان المشكلة بمعظمها تكمن في ابدال مفهوم الحذر الذي هو واجب ومطلوب بمفهوم الخوف والجبن الذي هو منبوذ ومدمر. وهذا يعود بالمجمل لعدة أمور:

1. عدم فهم لحقوقنا الاساسية كأقلية تحت حكم الاحتلال والذي ان عرفناه وذوتناه سنعرف على سبيل المثال أنه من حقنا كأقلية أن نكون في مظاهرة للتعبير عن الرأي ولا يحق لأي انسان ان يحرمنا هذا الحق فهو مولود وغير مكتسب! وغير ذلك من الحقوق.

2. فهمنا الذاتي للأمور عوضا عن الفهم المجتمعي لها ومشكلة جدية في ترتيب سلم أولوياتنا: لا بد أن نعترف أن المشروع الصهيوني لا يعترف بأي حقوق انسانية أو قانونية, وهو يتعامل وفق مبدأ البقاء للأقوى (وهو مبدأ غبي فهو يتناسى بذلك أن الأيام دول, وان الحياة سجال!) ... فمن المرجح فعلا أن يدوس على كل هذه الحقوق ... وهكذا تشرع هذه المجموعة "خوفها" .... وهنا يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا صريحا... كيف نعرّف سلم أولوياتنا! فاذا كانت المصلحة الأممية واعلاء شأن الأمة أولها فانا ان شاء الله لمن المفلحين... وان كانت همومنا تنحصر في مصالحنا الذاتية الوقتية فاننا نتحدر وللأسف من المجموعة الأولى والويل الويل لنا!

3. دراسة تاريخ الشعوب والأمم: لو درست مجموعة الخائفين تاريخ الثورات الشعبية والجماهيرية لعرفت أن الكلام وابداء الرأي هو أول خطوة على درب تقرير المصير.... وان التضحيات للأسف كانت وستكون... الا انها تصب في مصلحة الكيان ككل..... وتقلل اذا من وقع الخسائر الفردية....



وتبقى أصابع الملامة تدور على غير هدى..... الى من تشير؟ الى الفرد بذاته أم الى القيادات الثقافية والدينية للأمه والتي من واجبها ايضاح وسائل الدفاع عن الدين والحضارة ازاء الهجمة الصهيونية النجسة المستمرة؟ ام الى الكيان الصهيوني بالذات والذي أجهض كل المحاولات لتثقيف المقاومة الكلامية والعسكرية.... وهل نحتاج أي اذن أولي من المحتل لمقاومته؟ أم ان علينا تحديد سلم أولوياتنا وتخطيط خطواتنا والانطلاق قدما لتحرير الذات من الانية أولا وبعد ذلك الشروع بتحرير الأمة والمقدسات؟



الاء أبو داود

مشاكل التواصل والتخاطب (communication disorders)

جامعة حيفا

31-5-2010