Wednesday, 13 October 2010

الفرح بين التفرد والانصهار

الفرح, ضرب من ضروب الأحاسيس التي تراود الانسان والمشاعر التي تخالجه. وعلى الرغم من كون المجتمع قد اتفق عفويا على تعريف وتحديد للاسباب التي تؤدي الى مثل هذا الشعور والتي تتضمن امورا كثيرة تختلف باختلاف معايير الشخص كالنجاح والزواج والعطاء وما الى ذلك من أسباب, الا انني لا أظن ان اسلوب التعبير عن هذا الفرح يجب أن يكون وفقا لمسلّمات مجتمعية أو حتى عالمية, بل هو أمر خاضع للتصور الذاتي للشخص, ومفهومه الذي كونه عن الفرح.

فمشاعر الانسان عامة والفرح خاصة تتأثر أسبابها وطريقة التماهي معها بمعتقدات هذا الانسان ومبادئه...

فمن حيث الأسباب, بينما يفرح شخص غير ملتزم بفوزه في اليانصيب, ترى ان هذا الفوز يسبب مقتا عند من يتمسك بالدين الاسلامي لكون هذا الامر يندرج تحت المحرمات... ولكنك ترى ذات الشخص يفرح اذا فاز برحلة لاداء مناسك العمرة في الوقت الذي قد لا يعني الامر فيه شيئا للشخص الأول.

اما من حيث طريقة "اخراج الفرح الى حيز التنفيذ", فنرى تفاوتا واضحا... وتعود هذه الفروق البيّنةُ الى عدة عوامل اساسية... ويمكن تقسيم هذه العوامل لفئتين عامتين تندرج تحت كل منها أسباب عديدة.
أما الفئتين فهما:
1) عوامل فردية… وتحتها تندرج أسباب شتى كالعامل الديني والشخصي والاقتصادي والنفسي

2) عوامل مجتمعية... وهي الأمور التي تنتج غالبا عن رغبة واعية أو لا واعية في محاكاة المجتمع والتماهي مع التيار الأقوى للحفاظ على قبول الآخرين...
وهذا النوع من العوامل هو منتوج للتربية التي وان اختلفت تفاصيلها فهي تملك نفس الخطوط والقواعد العامة.
فمثلا المعظم يربط الفرح (وفرح الزفاف خاصة) بالغناء... ولذلك كل حفل زفاف خالٍ من الغناء هو بمثابة فشل ومحفز لظهور العديد من علامات الاستفهام حول الشخص وتاريخ كآبته الشخصي..

المشكلة في الموضوع, انه وفقا لقانون العولمة وتوحيد الرغبات والمشاعر وأساليب التفكير, فإنَّ أيَّ اختلاف في كيفية التعبير عن الذات كفيل بوضع صاحبه في إطار الشواذ والمتمردين وهو بالتالي أهلٌ لتلقي اللوم والعتاب..
أو في اطار المعتلين نفسيا وبالتالي فهو عرضة لتلقي كل أنواع التعازي والشفقة المباشرة والغير مباشرة..


حتى الآن، أعجز عن استيعاب هذا التصنيف وهذا الافتراض المسبق غير المعلن بوجوب توحيد المشاعر الانسانية، في الوقت الذي يحترم فيه اختلاف العقيدة –علنيا على الأقل، وفي الحالات التي يكون فيها الاحترام موجها لعقيدة الوثنيين أو غير المؤمنين ويزول حالما تصبح الحرية المطروحة هي حرية انسان قرر اتباع الدين الاسلامي مثلا- ويعتبر حرية من الحريات المشروعة والمطلوبة.
أهذه القضية هي مجرد تفرع ثانوي لقضية الكيل بمكيالين والتي يمارسها الجميع على نطاقات أممية وشخصية على حد سواء والتي تنبع اما من مصالح مشتركة أو من قلة وعي وادراك ومن مفهوم القطيع الواحد.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى سطحيا وغير مهم في خضم كل ما يحدث من انتهاكات لحقوق الانسان، الا انه وفي تصوري الخاص فهذه الأمور الانسانية والأسئلة "المفهومة ضمنا" والبديهيات هي ما تقوم عليه كل علوم التربية والاجتماع والتي من شأنها اذا صلحت أن تعين البشر على رسم مسارات حياتية صحيحة ونافعة.. وأن تزيل كل تقليد أعمى حتى في أبسط الأمور لتصل الى أكثرها تعقيدا وتركيبا.