Monday, 11 January 2010

مراحل اكتمال الذات

كنت أعتقد -لتعرضي الكبير لنظريات الكيمياء التي تقضي بميل العناصر للاستقرار- ان شخصيتي بكل ما تحمله من أبعاد ستستقر في مرحلة معينة.

كنت أترصد هذا الهدوء النسبي , اذ كان الاستقرار يعني أنني سأرسم كل ما أحب وأعلن عن كل ما أبغض, سأتخذ موقفا من نقابة العمال في بريطانيا, ومن اولئك الوسطيين في أفكارهم, ومن المشاكل البيئية في ساحل العاج.

سأحدد أهدافي بشكل بيّن لا يحتمل الشك أو التأويل أو التغيير, وستختمر في كياني كل الاسس الأولية والنهائية لتربية أطفالي

سأدون في مفكرة منفردة, كل تصرف محتمل لطفلي وكل رد فعل ضروري والذي سأعتمد فيه على أفضل النظريات العلمية والنفسية المعتمدة .

كنت أظن أن الحياة مقسمة لمراحل منفردة, مرتبة زمنيا بحيث لا يحدث أي تماس بين مرحلة وأخرى. فمرحلة الطفولة المراهقة تضم التمرد وتجربة امور من مضامير مختلفة, بينما تتسم المرحلة التي تتلوها, باختيار الصالح من التجارب وتذويته, واقصاء "الطالح" وتذويت نبذه, وبهذا تكتمل مرحلة التخطيط وتبدأ مرحلة العمل

الان, وبينما أنا أسرد وقائع فكري السابق لنفسي ولمدونتي, أشعر بنوع من الحماقة والبساطة الفكرية, التي لولاها ما كنت فصلت مرحلية الحياة بطريقة واضحة لهذه الدرجة.




الحياة, على ما أظن اليوم (وهذا صالح حتى انهاء كتابة هذه المدونة فقط) هي مجموعة من المراحلة الفكرية المتوازية والمتماسة والغير منوطة بزمن محدد ومعين, انما هي متعلقة بمدى أهميتها للانسان المعين في الفترة المحددة


فالتخطيط والعمل على سبيل المثال لا الحصر يمكن أن يتواجدا سويا في الفترة الزمنية ذاتها, ولا يشترط ان يكون التخطيط لذات العمل الموازي له في نفس الزمن, بل ربما يكون تخطيطا لعمل آخر أو لتخطيط آخر حتى

كذلك, ان أفعال الانسان هي ناتج منظومة وراثية, قدرة ادراكية وتأثر بالبيئة المحيطة, وبما أن البيئة هي أمر متغير (من حيث المكان, المشاكل أو القضايا المطروحة ومدى اتصال الانسان بها, تغير المنظور المجتمعي) وطريقة الادراك والتعامل مع هذا التغير أيضا متحولة, فالواضح بالضرورة أن الفعل (بما يتضمن التفكير واتخاذ الاراء والمواقف) هو أمر متغير

لا انفي ضرورة تحديد اطار خارجي واسع وواضح ندور ضمنه فكريا وعمليا, الا انني اعتقد أن عليه أن يكون حازما ومرنا بذات الوقت بطريقة تمكن تغيير الأفكار والمخططات بشكل لا يقارب نفاق النفس أو "خيانة الفكر الذاتي"

بهذا, ارى, انه لا يوجد ما يسمى بالاستقرار الفكري التام للذات, بل يوجد نوع من التوازن بين الاطر الخارجية المرسومة والداخلية, بحيث يتوجب علينا في حال قررنا الغاء اطار أو تعديل موضعه أو مساحته, اعطاء مبررات كافية أو نقاط عمل بديلة تكفل شرعنة الغاء أو تعديل القديم واختيار الجديد (ان كان موقفا, مبدأ, حلما, أو خطة عمل أخرى)


فالاستقرار, اذا, لا يمنع التغير ولا يعني استحالة القفز من النقيض الى النقيض, انما يوجب مسار شرعنة واضح لفعل ذلك